يُعد إدمان الإنترنت، أو ما يُعرف طبيًا بـ "الاستخدام المرضي للشبكة العنكبوتية"، واحدًا من أكثر الاضطرابات السلوكية تعقيدًا في العصر الحديث، حيث يتجاوز كونه مجرد إفراط في الاستخدام ليصبح حالة قهرية تسيطر على مراكز المكافأة في الدماغ بشكل يشبه تأثير العقاقير المخدرة. في مركز طريق الشفا، نتعامل مع إدمان الإنترنت باعتباره إدمانًا سلوكيًا غير كيميائي يؤدي إلى اختلال في توازن الناقلات العصبية، خاصة الدوبامين، نتيجة التعرض المستمر للإثارة الرقمية والمكافآت الفورية التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي والألعاب. هذا الاضطراب يتسبب في إعادة هيكلة الروابط العصبية في الفص الجبهي للدماغ، المسؤول عن التركيز واتخاذ القرار والتحكم في الاندفاعات، مما يجعل المريض سجينًا للعالم الافتراضي غير قادر على الانفصال عنه رغم إدراكه للآثار السلبية على حياته الواقعية.
تتعدد مظاهر إدمان الإنترنت لتشمل أعراضًا نفسية وجسدية واجتماعية بالغة الخطورة، حيث يعاني المريض من فقدان السيطرة على الوقت، فيقضي ساعات طويلة أمام الشاشات دون وعي، ما يؤدي إلى إهمال المسؤوليات الأسرية والمهنية والدراسية. كما تظهر حالات من الاكتئاب والقلق الاجتماعي الناتج عن العزلة الرقمية، حيث يستبدل المريض العلاقات الإنسانية الحقيقية بتفاعلات افتراضية، مما يضعف مهاراته التواصلية ويجعله أقل قدرة على التفاعل الواقعي. جسديًا، يتسبب الإدمان الرقمي في اضطرابات النوم، ضعف النظر، آلام العمود الفقري والرقبة، واضطرابات التغذية الناتجة عن الخمول والجلوس المطول، وهو ما يستدعي تدخلًا علاجيًا شاملًا يعالج الجسد والنفس معًا.
تعتمد المرحلة الأولى من العلاج في مركز طريق الشفا على منهجية الفطام الرقمي الموجه، وهي عملية علاجية تهدف إلى كسر الارتباط القهري بالشاشات دون التسبب في صدمة نفسية عنيفة. يتم ذلك من خلال سحب الأجهزة الإلكترونية بشكل تدريجي ووضع جدول زمني صارم يعيد ربط المريض بالواقع المادي. خلال هذه المرحلة، قد يمر المريض بأعراض انسحابية نفسية مثل العصبية، سرعة الانفعال، الشعور بالفراغ والملل، والاشتياق القهري للتصفح. يوفر المركز بيئة علاجية داعمة تعتمد على الأنشطة البدنية والرياضية، وتقنيات الاسترخاء الذهني التي تساعد الدماغ على استعادة إفراز الدوبامين الطبيعي، وذلك تحت إشراف فريق متخصص في العلاج السلوكي.
بعد تجاوز المرحلة الأولى، يبدأ العمل العلاجي العميق من خلال العلاج المعرفي السلوكي، حيث يتم مساعدة المريض على فهم الدوافع النفسية الخفية وراء الهروب إلى العالم الافتراضي، سواء كانت الوحدة، ضعف الثقة بالنفس، أو البحث عن التقدير. يتم تفكيك الفخاخ الذهنية التي تخلقها الخوارزميات الرقمية، وتدريب المريض على مهارات اليقظة الذهنية والحضور الواعي. يشمل البرنامج أيضًا تنمية الهوايات الواقعية مثل القراءة والفنون والأنشطة الجماعية، بهدف إعادة بناء الهوية الشخصية بعيدًا عن الاعتماد على الهوية الافتراضية، وتحويل العلاقة مع التكنولوجيا من علاقة سيطرة إلى علاقة استخدام واعٍ ومتزن.
نظرًا لأن الإنترنت جزء لا يتجزأ من الحياة المعاصرة، فإن التعافي لا يعني الامتناع الكامل، بل الوصول إلى استخدام رشيد ومتوازن. يوفر مركز طريق الشفا برنامج رعاية لاحقة يركز على منع الانتكاسة من خلال إعداد خطط وقائية للمحفزات الرقمية المحتملة. كما يتم إشراك الأسرة في العملية العلاجية عبر تدريبها على وضع حدود رقمية صحية داخل المنزل وتقديم دعم عاطفي بديل عن الاعتماد الرقمي. تتضمن المنظومة جلسات متابعة دورية ومجموعات دعم للمتعافين، تتيح لهم مشاركة الخبرات والحفاظ على الاستقرار النفسي والاجتماعي، بما يضمن عودتهم إلى حياتهم العملية والاجتماعية بشكل متزن ومستقر.