إدمان الحشيش يُعد من أخطر أنواع الإدمان الصامت، لأنه لا يُحدث انهيارًا مفاجئًا، بل ينسحب من الإنسان ببطء شديد. لا يُسقطه أرضًا فجأة، بل يُطفئ داخله شيئًا فشيئًا، حتى يفقد القدرة على التفاعل الحقيقي مع الحياة دون أن يدرك متى بدأ السقوط.
الحشيش يؤثر مباشرة على الوعي، الإدراك، الذاكرة، وتنظيم المشاعر. في البداية يشعر المتعاطي بالهدوء والانفصال عن التوتر، لكن هذا الهدوء ليس علاجًا، بل تعطيل مؤقت للجهاز العصبي، يدفع المخ للاعتماد على المادة كوسيلة أساسية للتكيف.
يعمل الحشيش على مستقبلات القنب العصبية، وهي مستقبلات مسؤولة عن تنظيم الذاكرة والانتباه والمزاج واتخاذ القرار. مع التعاطي المستمر، يحدث خلل في هذه الدوائر العصبية، فيضعف التواصل بين الخلايا العصبية، ويصبح التفكير أبطأ، وأقل مرونة، وأضعف قدرة على التحليل.
المخ يتعلم مع الوقت أن الاسترخاء لا يأتي إلا بوجود الحشيش، فيفقد قدرته الطبيعية على تهدئة نفسه. هنا يبدأ الاعتماد النفسي الحقيقي، حتى لو لم تظهر أعراض جسدية قوية.
إدمان الحشيش لا يغير السلوك فقط، بل يغير ملامح الشخصية نفسها. يصبح الشخص أقل حماسًا، أقل طموحًا، أقل قدرة على الالتزام. تتراجع قوة الإرادة، وتضعف القدرة على المواجهة، ويظهر الميل للتسويف والانسحاب والهروب من المسؤوليات.
كثير من المرضى يصفون شعورًا دائمًا بالضباب الذهني، وكأنهم حاضرون جسديًا وغائبون عقليًا. هذا الانفصال التدريجي هو أخطر ما في الإدمان.
على المستوى النفسي، يؤدي التعاطي المزمن إلى زيادة القلق، تضخيم الأفكار السلبية، ضعف الثقة بالنفس، واضطرابات في المزاج. في بعض الحالات، قد يُحفز الحشيش ظهور اضطرابات نفسية كامنة مثل الاكتئاب أو الذهان، خاصة لدى من لديهم استعداد وراثي.
الخطير أن كثيرًا من المرضى يستخدمون الحشيش لمحاولة تخفيف القلق، بينما هو في الحقيقة يزيده على المدى الطويل.
عند التوقف، يواجه المريض قلقًا شديدًا، أرقًا، عصبية، فقدانًا للمتعة، شعورًا بالفراغ، ورغبة ملحة في العودة للتعاطي. هذه الأعراض قد لا تكون عنيفة جسديًا، لكنها مرهقة نفسيًا بدرجة تدفع كثيرين للانتكاس.
يبدأ العلاج بتقييم نفسي معرفي دقيق لتحديد مدى تأثر الذاكرة والانتباه والدافعية. ثم يتم العمل على إعادة تنشيط المخ نفسيًا وسلوكيًا، علاج القلق والاكتئاب المصاحب، وبناء وعي جديد بالعلاقة بين المخدر والهروب النفسي.
العلاج لا يهدف فقط للتوقف، بل لاستعادة الإنسان لحضوره الذهني وقدرته على الاستمتاع بالحياة بدون تخدير.